
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه يبين لهم الحقائق، ويصحح لهم المفاهيم، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم، وكثيرا ما كان يجلي لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة، وبين موازين الله وموازين العباد.
جلس معهم ذات يوم فسألهم كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: (أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ).
لقد حدثوه عن مفاليس أهل الدنيا، وحدثهم عن مفاليس يوم القيامة. حدثوه عن الإفلاس المؤقت، وحدثهم عن الإفلاس الدائم. حدثوه عن إفلاس قد يأتي بعده غنى ويستغني صاحبه بعده، وحدثهم عن إفلاس لا غنى بعده أبدا. حدثوه عن إفلاس ربما لا يضر بدين صاحبه، وحدثهم عن إفلاس يدخل صاحبه النار.
يوم العدل المطلق
إذا كان الإنسان في هذه الحياة يسعى ليجمع ثروة من المال يعيش بها في هناء وسعادة وتغنيه عن الحاجة للعباد، فإن طالب النجاة يوم القيامة أولى أن يسعى ليجمع ثروة من الحسنات، ينال بها سعادة الآخرة ويفوز بها بالجنة.
ولئن كان الإنسان في الدنيا يبذل جهده ليحمي ماله ويحفظ نفسه من الفلس، فإن طالب النجاة أولى أن يحمي حسناته من الضياع يوم القيامة، وألا يكون من المفلسين يوم الدين.
إن هذه الحياة دار سعي وعمل، وإن الآخرة دار حساب وجزاء، وإن يوم القيامة هو يوم العدل المطلق، فيه توفى الحقوق وتسترد المظالم.
في هذا اليوم العصيب والمشهد الرهيب يلفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظارنا وأنظار أصحابه إلى نوعية من الناس كانت لهم أعمال صالحة من صلاة وصيام وزكاة، وفارقوا الملذات وهجروا المحبوبات من أجل رضا وثواب رب الأرض والسموات. وكانوا صادقين في ذلك كله، حتى قبله الله منهم وأثابهم عليه، ورأوا ثواب أعمالهم وجبال حسناتهم، وظنوا أنهم قد نجوا، ولم يبق إلا أن يأذن الله لهم في دخول الجنة..
ولكن كانت المفاجأة كما جاء في حديث ابن مسعود عن النبي المحمود صلى الله عليه وسلم:(ترفع للرجل صحيفة يوم القيامة، حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما تبقى له حسنة، ويزاد عليه من سيئاتهم).
أناس ظلمهم في الدنيا، فإذا بهم يطالبون برد المظالم التي ظلموهم إياها. فرجل يقول: يا رب أنصفني من هذا فقد شتمني، وآخر: يا رب رد علي مظلمتي فقد اغتابني، وآخر: يا رب أخذ مني مالا بغير وجه حق، وأخت تقول: منعني ميراثي، وولد يقول لم يعلمني ديني، وآخر يقول: ضربني. و.. و..
وإذا بمناد يُناديهم بصوتٍ يسمعُهُ من بَعُدَ كما يسمعُهُ من قَرُبَ: (أَنا الملِكُ، أَنا الدَّيَّانُ، لا ينبغي لأحدٍ من أَهْلِ الجنَّةِ أن يدخلَ الجنَّةَ وأحدٌ من أَهْلِ النَّارِ يطلبُهُ بمظلمةٍ، ولا ينبغي لأحدٍ من أَهْلِ النَّارِ أن يدخلَ النَّارَ وأحدٌ من أَهْلِ الجنَّةِ يطلبُهُ بمظلمةٍ حتَّى اللَّطمةَ. قالَ: قلنا: كيفَ هذا وإنَّما نأتي غرلًا بُهْمًا؟ قالَ: بالحسَناتِ والسَّيِّئاتِ).
إنه يوم العدل المطلق، فلا ظلم اليوم، فيقتص الله للمظلومين، فيأخذ من حسنات هذا المحسن الظالم، ويعطي المظلوم، فما زالت الحسنات تؤخذ منه وتنقل من ميزانه إلى ميزانهم ـ وهو ينظرـ حتى تفنى كلها، فإذا بقي مظلومون ولا حسنات، أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على هذا المسكين ثم يطرح في النار.
فيا لها من حسرة، ويا لها من مصيبة، ويا له من إفلاس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

النجاة من الإفلاس
وحتى يسلم المرء من مغبة الإفلاس في الآخرة؛ فإن واجباً عليه:
أولا: حفظ حقوق الخلق
كتب محمد بن واسع إلى رجل من إخوانه: “أما بعد، فإن استطعت أن تبيت حين تبيت وأنت نقي الكف من الدم الحرام، خميص البطن من الطعام الحرام، خفيف الظهر من المال الحرام فافعل، فإن فعلت فلا سبيل عليك.
ثانيا: دوام استحضار حساب القيامة
فإنه عاصم بإذن الله من ظلم الناس والإفلاس، “كلم رجلٌ الخليفةَ الراشد عمر بن عبد العزيز يوما حتى أغضبه، فهمَّ به عمر ثم أمسك نفسه، وقال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك ما تناله مني غدا؟ قم – عافاك الله”.
ثالثا: عدم التعويل على العفو
فإنك لو عوّلت عليه من الله، فإن ديوان المظالم بين العباد يستوفيه الله كله، وإن عوّلت على عفو العباد، فإنه في الدنيا شحيح نادر، فكيف بيوم (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ).
رابعا: التحلل من المظالم في الدنيا
فهو خير من قصاصها في الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كانت لِأَخِيه عنده مَظْلِمَةٌ من عِرْضٍ أو مالٍ، فَلْيَتَحَلَّلْه اليومَ، قبل أن يُؤْخَذَ منه يومَ لا دينارَ ولا دِرْهَمَ، فإن كان له عملٌ صالحٌ، أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِه، وإن لم يكن له عملٌ، أُخِذَ من سيئاتِ صاحبِه فجُعِلَتْ عليه).
خامسا: معاملة الخلق بالعفو والصفح
فإن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم). قال ابن القيم: “اللهُ – عز وجل – يعامل العبدَ في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبدُ الناسَ في ذنوبهم”.
نسأل الله أن يعيذنا وجميع المسلمين من إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة، وأن يجعلنا من الفائزين.
إن طالب النجاة أولى أن يحمي حسناته من الضياع يوم القيامة، وألا يكون من المفلسين يوم الدين
حكيمة منصور
و السبب وراء هذا الافلاس هو مجموعة من العوامل فمنها الحواس الخمسة اللسان: كثرة الكلام و الثرثرة بلا فائدة فمن كثر كلامه كثرت اخطاؤه.
النظر: النظر الى ما حرم الله او التطلع على عورات الناس و البحث في امورهم و تقصيها لغاية غير محمودة.
السمع: الاستماع للاغاني واستراق السمع.
الشم التعطر والخروج برائحة زكية تبيح المحظور و بها نقع في لا يحمد عقباه و نضيع حسناتنا هباء الريح.
اللمس لمس ما حرم الله سبحانه تعالى من النساء لغير حاجة مثل المصافحة الا ما احل الله و غيرها من المحرمات مثل الخمر .
من هذا يتجلى لنا اننا نملك خمس حواس و هذا شيئ عظيم عظمة توضيفها فيما يرضي الله فهي بمثابة سلاح فإما أن يكون هذا السلاح لنا و لصالحنا و إما أن يكون علينا او ضدنا.
الكثير يراها مجرد حواس لها وظيفة محددة لكنهم لا يعلمون انها هي الاخرى كنز من الكنوز الثمينة التي قدمها الله لنا فما اعظم شأنك يا الله تعطينا الكثير و لا نقدم سوى القليل فرحمتك وسعت كل شيئ فارحمنا و جعلنا لديننا حافظين.