نحن نعيش في عالم من الازدواجية: فهناك الأعلى والأسفل، واليمين واليسار، والداخل والخارج، والحر والبرد.. ولكي يتواجد قطب ما لابد من وجود نظيره أيضا. فهل يمكن أن نتحدث عن الضوء مثلا بدون وجود الظلام؟ طبعا لا.
وبالقياس على هذا، وكما هناك قوانين “خارجية” تحكم إدارة الأموال، مثل المعرفة الاقتصادية، واستراتيجيات الاستثمار.. الخ، فهناك أيضا قوانين “داخلية” للأموال، وهي مهمة بنفس قدر أهمية القوانين الخارجية. فالنجار مثلا، يحتاج في عمله الى الأدوات المناسبة (القوانين الخارجية)، ولكنه الأهم من ذلك أنه يحتاج أيضا الى المعرفة والخبرة اللازمة ليحسن استخدام هذه الأدوات.
إذن، فمن تكون؟ وكيف تفكر؟ وما هي معتقداتك؟ وما هي عاداتك وخصالك؟ وهل تشعر حقيقة أنك تستحق الثراء؟ وما قدرتك على التصرف في مواجهة الخوف والقلق والظروف غير المريحة؟
الحقيقة هي أن شخصيتك وطريقة تفكيرك ومعتقداتك هي أجزاء أساسية مما يحدد مستوى دخلك ونجاحك.
مخططك المالي
هل سمعت يوما عن هؤلاء الأشخاص الذين خسروا كل ثرواتهم المالية؟ هل لاحظت كيف أن بعض الناس تكون لديهم مبالغ كبيرة من المال ثم يخسرون كل شيء؟ في الظاهر، يبدو الأمر كما لو كان حظا عاثرا، أو ركودا اقتصاديا، أو أي سبب آخر. ولكن من الداخل، فالأمر مختلف تماما. ولهذا السبب، فعندما تأتيك ثروة من المال وأنت غير مستعد لها داخليا، فإنه من الراجح أن هذه الثروة ستكون قصيرة العمر، وأنك ستخسرها في النهاية.
وأفضل مثال على ذلك هم الرابحون بجوائز اليانصيب. ولقد أظهرت البحوث أنه مهما كان حجم الجائزة التي يربحها هؤلاء الأشخاص، فإنهم دائما ما يرجعون الى وضعهم المالي الأول. وعلى الجانب الآخر، فإن عكس ذلك يحدث مع أصحاب الملايين الذين يبدؤون من الصفر. فعندما يخسر العصاميون من أصحاب الملايين أموالهم فإنهم يسترجعون ذلك المال في زمن قصير نسبيا.
لماذا تحدث هذه الظاهرة؟
لأنه حتى إن خسر العصاميون من أصحاب الملايين أموالهم، فإنهم لا يخسرون أبدا أهم عامل من عوامل نجاحهم: مخططهم المالي.
الجذور هي التي تنتج الفاكهة
تخيّل شجرة، ودعنا نفترض أن تلك الشجرة تمثل شجرة الحياة، وفوق هذه الشجرة هناك فاكهة لا يعجبنا مظهرها أو ليست جيدة الطعم أو أنها صغيرة. إن معظمنا يولي كل اهتمامه الى الفاكهة وأقصد النتائج، ولكن ما الذي ينتج هذه الفاكهة؟ انها البذور والجذور هي التي تنتج تلك الفاكهة، أليس كذلك؟
إن ما يوجد أسفل الأرض هو ما ينتج ما فوق الأرض. إن غير الظاهر هو الذي ينتج الظاهر. ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أنك إذا أردت تغيير الفاكهة فعليك أن تقوم أولا بتغيير الجذور، إذا أردت أن تغيّر ما هو ظاهر ومرئي فعليك أن تغيّر ما هو باطن وغير مرئي.
وفي كل غابة، وكل مزرعة، وكل حديقة على هذه الأرض تجد المبدأ ذاته، وهو أن ما يوجد أسفل الأرض ينتج ما يوجد فوق الأرض. ولهذا فإن تركيز اهتمامك على الفاكهة التي نضجت بالفعل هو أمر غير مجد. إنك لا تستطيع أن تغيّر أي شيء في الفاكهة التي تتدلى فوق الشجرة، ولكن تستطيع على كل حال أن تغير من فاكهة المستقبل. ولكن من أجل أن تفعل ذلك فإن عليك أن تحفر تحت الأرض من أجل تقوية الجذور.
أيا كانت النتائج التي تحصل عليها سواء كانت إيجابية أو سلبية، جيدة أو سيئة، فعليك دوما أن تتذكر أن عالمك الخارجي ما هو إلا انعكاس لعالمك الداخلي، وإذا كانت الأمور لا تسير بخير في حياتك الخارجية، فإن سبب ذلك هو أن الأمور لا تسير بخير في حياتك الداخلية. إن الأمر بهذه البساطة.
ما هو مخططك المالي؟
كل فرد منا لديه مخطط خاص للمال والنجاح مدمج بداخل عقله الباطن. وهذا المخطط هو المسئول عن تحديد مصيرك المالي أكثر من كل من العوامل الأخرى مجتمعة.
ولكن ماذا يعني المخطط المالي؟ إنه ببساطة برنامج أو طريقة معدة مسبقا تخص علاقتك بالمال. إنه تماما مثل المخطط أو التصميم الهندسي المعد مسبقا بناء منزل ما. إن مخططك المالي يتكون من مزيج من أفكارك ومشاعرك وأفعالك في حلبة المال.
إن مخططك المالي يتكون في الأساس من المعلومات أو “البرمجة” التي تلقيتها في الماضي وخاصة وأنت طفل صغير. تشمل المصادر الأولية التي تولّت عملية البرمجة: الآباء، الاخوة، الأصدقاء، وأصحاب السلطة مثل المدرسين ورجال الدين والمصادر الإعلامية.
لقد تم تعليمك كيف تفكر وتتصرف حينما يتعلق الأمر بالمال. وذلك التعليم صار هو التوجيه الذي سيصبح فيما بعد تلك الاستجابة الأوتوماتيكية التي تتحكم بك حتى نهاية حياتك، إلا إذا قمت بالتدخل وإعادة تكوين الملفات المالية داخل عقلك.
وأريد أن أقدم لك معادلة مهمة للغاية، وهي تحدد كيف يمكنك أن تصنع لنفسك واقعك وثروتك، وهي كالتالي:
برمجة > أفكار > مشاعر > أفعال > نتائج
إن برمجتك تقود الى أفكارك، وأفكارك تقود الى مشاعرك، ومشاعرك تقود الى أفعالك، وأفعالك تقود الى نتائجك. يمكنك اذن أن تختار أن تفكر وتتصرف مثلما يفعل الأغنياء، وبالتالي تجني النتائج التي يجنيها الأغنياء.
ملفات الثراء
أليس من المدهش أن عقولنا هي أساس حياتنا، ومع ذلك فإن معظمنا ليست لديه فكرة عن كيفية عمل هذه الأجهزة الجبارة؟ دعنا أذن نبدأ بإلقاء نظرة بسيطة على كيفية عمل عقولنا.
بشكل مجازي، فإن عقلنا ليس أكثر من حافظة ملفات ضخمة شبيهة بتلك التي تجدها في مكتبك أو منزلك. وفي كل مرة، فإنك تذهب الى هذه الملفات لكي تحدد كيف تستجيب للمواقف التي تتعرض لها في حياتك. على سبيل المثال، إذا كنت تفكر في فرصة مالية، فإنك تلقائيا تذهب الى الملف الخاص بالأموال حتى تقرر ماذا تفعل. والمعلومات الوحيدة التي لديك عن المال ستكون تلك الأفكار التي قمت بتخزينها في ملف المال داخل عقلك.
إن الأغنياء يفكرون بطريقة مختلفة تماما عن طريقة تفكير الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة. إنهم يفكرون بشكل مختلف فيما يخص المال والثراء، وكل جانب آخر من جوانب الحياة. إن الخطوة الأولى اذن نحو التغيير هي أن تدرك كيف يفكر الأغنياء وتكتسب طريقة تفكيرهم.
في بقية سلسلة المقالات المتعلقة بهذا الموضوع، سوف نقوم ان شاء الله بفحص وتثبيت سبعة عشر ملفا بديلا من “ملفات الثراء” داخل عقلك. عندها ستقوم بوعي بتبديل تركيزك الى طريقة تفكير الأغنياء، وعندها فقط ستتغيّر حياتك المالية الى الأبد.
مترجم وملخّص من كتاب: “أسرار عقل المليونير” لصاحبه “ت. هارف إيكر”.
شخصيتك وطريقة تفكيرك ومعتقداتك هي أجزاء أساسية مما يحدد مستوى دخلك ونجاحك