fbpx

هي سهام صيد لكنها لصيد قلوب من حولك، وفضائل تعطف بها الشاردين إليك، وهي جنة تستر بها عيوبك وتستقيل بها عثرتك، وهي صفات لها أثر سريع وفعّال، ومصائد قل أن وضعت في مكان إلا وامتلأت، أو وجهت في مهمة إلا أفلحت وأنجحت.. إذا أردت أن تجتمع عليك القلوب وتتعلق بك الأفئدة فما عليك إلا أن تحسن التسديد والعاقبة مضمونة. فاستعن بالله.

البدء بالسلام

سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك، وهو أجر وغنيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق). وفي الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء). قال عمر الندي: (خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه). وقال الحسن البصري: (المصافحة تزيد في المودة).

لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف.

الابتسامة

الابتسامة في الوجوه أسرع طريق إلى القلوب وأقرب باب إلى النفوس، وهي من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فطر الله الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه المشرق البسَّام.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسُّمًا وطلاقة وجهٍ في لقاء من يلقاه، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى صارت عنواناً له وعلامةً عليه. وكان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، كما قال عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون قدوة عملية في الابتسامة، بل إنه دعا إليها وحثَّ عليها بقوله: (تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة).

الهدية

ولها تأثير عجيب، فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود بل ومندوب إليه، قال إبراهيم الزهري: (خرّجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت، فقال لي تذكّر هل بقي أحد أغفلناه؟ قلت لا قال بلى رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير). انظر كيف أثّر فيه السلام الجميل، فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك.

حسن الاستماع وأدب الإنصات

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به، بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة. واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء، قال: (إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد).

حسن السمت والمظهر

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال). وعمر ابن الخطاب يقول: (إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح). وقال عبد الله ابن أحمد ابن حنبل: (إني ما رأيت أحداً أنظف ثوبا ولا أشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد ابن حنبل).

بذل المعروف وقضاء الحوائج

سهم تملك به القلوب، وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ

بل تملك به محبة الله عز وجل، وهو القائل: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس).

فعجباً لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه.

بذل المال

إن لكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار).

صفوان بن أمية كافر طالت محاربته للنبي، وتأخر إسلامه إلى ما بعد فتح مكة. لما غنم النبي غنائم حنين، جعل صفوان ينظر في الغنائم ويطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء. فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه، ثم قال له: يعجبك هذا يا أبا وهب؟
قال: نعم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك وما فيه. فقال صفوان عندها: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

فكل قلب سهل فتحه، لكن المهم أن تصل إلى مفتاحه. لقد استطاع الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه.

فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق.

إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم

أحسن الظن بمن حولك وإياك وسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول المتنبي:

إذا ساء فعل المرءِ ساءت ظنونه … وصدق ما يعتاده من توهم

عود نفسك على الاعتذار لإخوانك، فقد قال ابن المبارك: (المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم).

إعلان المحبة والمودة للآخرين

إذا أحببت أحداً أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره بذلك، فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه). لكن بشرط أن تكون المحبة لله وليس لغرض من أغراض الدنيا، كالمنصب والمال والشهرة والوسامة والجمال، فكل أخوة لغير الله فهي هباء، وهي يوم القيامة عداء (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).

فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب. لذلك حرص صلى الله عليه وسلم على تكوين مجتمع متحاب فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخين في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات. بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

إذا أردت أن تجتمع عليك القلوب وتتعلق بك الأفئدة فما عليك إلا أن تحسن التسديد

سلة المشتريات

تسجيل الدخول

العودة إلى الأعلى